هو علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ابن عبد المطلب هاشم بن عبد مناف، رابع الخلفاء الراشدين 35-40 هـ/656-661 م، ربيب النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمه وصهره، من أبطال بدر وأحد وخيبر والخندق وحنين، بويع له بعد مقتل عثمان، كان من أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء.
يُكنى أبا الحسن، وهو أصغرَ ولد أبي طالب، وهو ابن عم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَخوه، وصهره على إبنته فاطمة سيدة نساءِ العالمين، وأَبو السبطين، وروى ابن إِسحاق في إِسْلَام عليّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ قال: ثم إِن علي بن أَبي طالب جاءَ بعد ذلك بيوم -يعني: بعد إِسلام خديجة وصلاتها معه- قال: فوجدهما يصليان، فقال علي: يا محمد، ما هذا؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبَعَث به رسله، فأَدعوك إِلى الله، وإِلى عبادته، وكُفْر باللات والعزى»، فقال علي: هذا أَمر لم أَسمع به قبل اليوم، فلست بقاضٍ أَمرًا حتى أُحدّث أَبا طالب، فكره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَن يفشي عليه سره قبل أَن يَسْتَعِلنْ أَمرَه، فقال له: «يَا عَلِيُّ، إِنْ لَمْ تُسْلِمْ فَاكْتُمْ»، فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ الْلَّيْلَةَ، ثُمَّ إِنَّ الله أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَليِّ الْإِسْلَامَ، فَأصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ: مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم: «تَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَتَكْفُرُ بِالْلَّاتِ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأْ مِنَ الْأَنْدَادِ»، فَفَعَلَ عَلِيُّ وَأَسْلَمَ، وَمَكَثَ عَلِيُّ يَأْتِيهِ سِرًّا خَوْفًا مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ عَلِيُّ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ مِمَّا أَنْعَمَ الله بِهِ عَلَى عَلِيِّ أَنَّهُ رُبِّي فِي حِجْرِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
وروى ابن إِسحاق في هِجْرَتُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ قال: وأَقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم -يعني: بعد أَن هاجر أَصحابه إِلى المدينة- ينتظر مجيءَ جبريل عليه السلام، وأَمره له أَن يخرج من مكة بإِذن الله له في الهجرة إِلى المدينة، حتى إِذا إجتمعت قريش فمكرت بالنبي، وأَرادوا برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما أَرادوا، أَتاه جبريل عليه السلام، وأَمره أَن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيْه، فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم علي بن أَبي طالب، فأَمره أَن يبيت على فراشه، ويَتَسجَّى ببُردٍ له أَخضر، ففعل، وأَمره أَن يؤدي إِلى كل ذي حق حقه ففعل، ثم لحق برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان يمشي الليل ويكمُن النهار، حتى قدم المدينة، فلما بلغ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قدومُه قال: «ادعوا لي عليًا»، قيل: يا رسول الله، لا يقدر أَن يمشي، فأَتاه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآه إعتنَقَهُ وَبَكى، رَحْمَةً لِمَا بِقَدَمَيْهِ مِنَ الْوَرَمِ، وَكَانَتَا تَقْطِرَانِ دَمًا، فَتَفَلَ الْنَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم فِي يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا رِجْلَيْهِ، وَدَعَا لَهُ بِالْعَافِيَةِ فَلَمْ يَشْتَكِهِمَا حَتَّى إسْتَشْهَدَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ.
شهد عليٌّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أَصابت عليًا يوم أَحُد ستَّ عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأَرض، فما كان يرفعه إِلا جبريل عليه السلام، وكان ممّن ثَبَتَ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم أُحُدٍ حين إنهزم النّاس، وبايعه على الموت، ولم يتخلّف عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك خَلّفه في أهله.
[] منــــاقبه:
قال صَلَّى الله عليه وسلم في أصحابه: «أَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»، وروى عبد الله بن عبّاس، قال: والله لقد أُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر، وروى زِر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغدّيان، مع أحدهما خمسة أرغفة، ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مرَّ بهما رجلٌ فسلّم، فقالا: إجلس للغداء، فجلس، وأكل معهما، وإستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرّجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خذا هذا عوضًا ممّا أكلت لكما، ونِلْتُه من طعامكما، فتنازعا، وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم، ولك ثلاثة، فقال صاحب الثّلاثة الأرغفة: لا أَرْضَى إِلا أن تكون الدّراهم بيننا نصفين، وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقصَّا عليه قصَّتهما، فقال لصاحب الثّلاثة الأرغفة: قد عرض عليك صاحبُك ما عرض، وخبزُه أكثر من خُبْزِك، فإرْضَ بثلاثة، فقال: لا والله، لا رضيت منه إلا بمرِّ الحقّ، فقال عليّ رضي الله عنه: ليسَ لك في مُر الحق إلا درهم واحد وله سبعة، فقال الرّجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين! وهو يعرض عليَّ ثلاثة فلم أرض، وأشرْتَ عليَّ بأخذها فلم أرْضَ، وتقول لي الآن: إنه لا يجب في مُرّ الحقّ إلا درهم واحد، فقال له عليّ: عرض عليك صاحبُك أن تأخذ الثلاثة صُلْحًا فقلتَ: لم أرض إلا بمُرّ الحقّ، ولا يجب لك بمرّ الحقّ إلا واحد، فقال له الرّجل: فعرّفني بالوجه في مُرّ الحقّ حتى أقبله، فقال علي رضي الله عنه: أليس للثمانية الأرغفة أربعة وعشرون ثلثًا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس، ولا يعلم الأكثر منكم أكلًا، ولا الأقل، فتُحمِلون في أكلكم على السّواء! قال: بلى، قال: فأكلت أَنْتَ ثمانية أثلاث، وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاثٍ، وله خمسة عشر ثلثًا، أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة، وأُكل لك واحدًا من تسعة، فلك واحد بواحدك، وله سبعة بسبعته، فقال له الرّجل: رضيت الآن.
وروى عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول لعلي بن أَبي طالب: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ زيّنَكَ بِزِيْنَةٍ لَمْ يَتَزَيَّنِ العِبَادُ بِزِيْنَةِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا: الْزَّهْدُ فِي الْدُّنْيَا، فَجَعَلَكَ لاَ تَنَالُ مِنَ الْدُّنْيَا شَيْئًا، وَلاَ تَنَالُ الْدُّنْيَا مِنْكَ شَيْئًا، وَوَهَبَ لَكَ حُبَّ الْمَسَاكِيْنِ، وَرَضُوا بِكَ إِمَامًا، وَرَضَيتَ بِهِمْ أَتْبَاعًا، فَطُوبَي لِمَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَقَ فِيْكَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذَبَ عَلَيْكَ، فَأَمَّا الَّذِيْنَ أَحَبُّوكَ وَصَدَقُوا فِيْكَ، فَهُمْ جِيْرَانُكَ فِي دَارِكَ، وَرُفَقَاؤُكَ فِي قَصْرِكَ، وَأَمَّا الَّذِينَ أَبْغَضُوكَ وَكَذَبُوا عَلَيْكَ، فَحَقٌّ عَلَى الله أَنْ يُوقِفَهُمْ مَوْقِفَ الْكَذَّابِيْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لعلي: «مَنْ أَشْقَى الأَوَّلِين»؟ قال: الذي عقر النّاقة -يعني ناقة صالح-، قال: «صَدَقْتَ، فَمَنْ أَشْقَى الآَخِرِينَ»؟ قال: لا أدري، قال: «الَّذِي يُضْرِبُكَ عَلَى هَذَا» يعني: يافوخه: «وَيَخْضِبُ هَذِهِ» يعني: لحيته.
[] خــــلافته:
وبُويع لعليّ رضي الله عنه بالخلافة يوم قُتل عثمان رضي الله عنه، وإجتمع على بَيْعَته المهاجرون والأنصار، روى ابن المسيب قال: لما قتل عثمان جاءَ الناس كلهم إِلى علي يُهْرَعون، أَصحابُ محمد وغيرُهم، كلهم يقول: أَمير المؤمنين علي، حتى دخلوا عليه داره، فقالوا: نبايعك فَمُدَّ يدك، فأَنت أَحق بها، فقال علي: ليس ذاك إِليكم، وإِنما ذاك إِلى أَهل بدر، فمن رضي به أَهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أَحد إِلا أَتى عليًا، فقالوا: ما نرى أَحدًا أَحق بها منك، فمد يدك نبايعك، فقال: أَين طلحة، والزبير؟ فكان أَوّل من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، فلما رأَى عليّ ذلك خرج إِلى المسجد، فصعد المنبر، فكان أَوّل من صعد إِليه، فبايعه طلحة، وتابعه الزبير، وأَصحاب النبي صَلَّى الله عليه وسلم ورضي عنهم أَجمعين.
وتخلَّف عن بيعته منهم نَفَر، لما سُئل عنهم قال: أولئك قوم قعدوا عن الحقّ، ولم يقوموا مع البَاطل، وتخلّف أيضًا عن بَيْعته معاوية، ومن معه في جماعةِ أهل الشّامِ، فكان منهم في صِفّين بعد الجمل ما كان، تغمد الله جميعهم بالغفران، وكان إذا ورد عليه مال لم يُبْقِ منه شيئًا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسْمَته في يَوْمه ذلك، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري، ولم يكن يستأثر من الفيّء بشيء، ولا يخصُّ به حميمًا، ولا قريبًا، وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُم، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالِميزَانَ بِالْقِسْطِ، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم، وَلَا تَعْثَوَا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينِ، بَقِيَّةٌ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُم إِنْ كُنْتُم مُؤْمِنيِنَ، وَمَا أَنَا عَلَيّكُم بِحَفِيظٍ} إذا أتاك كتابي هذا فإحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلّمه منك، ثم يرفع طَرْفَه إلى السّماء، فيقول: اللّهم إِنك تعلم أني لم آمرهم بظُلْمِ خلقك، ولا بِتَرْك حقك.
واشتهر عليّ رضي الله عنه بتقشفه في لباسه، ومطعمه، وروى مجمع التيميّ أن عليًا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنِس ثم صلّى فيه، رجاء أن يشهد له يوم القيامة، وكان لا يدع في بيت المال مالًا يبيت فيه حتى يقسّمه، إلا أن يغلبه فيه شُغل، فيصبح إليه وكان يقول: يا دنيا لا تغرّيني، غَرِّي غيري، وروى عبد الرّزّاق بسنده، عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «إِن وَلّوا عَلِيًا فَهَادِيًا مهْدِيًا».
[] وفـــاته:
وروى أبو سعيد الخدري قال: أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بِقِتَالِ الْنَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِيْنَ، وَالْمَارِقِينَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَمَرْتَنَا بِقِتَالِ هَؤُلاَءِ، فَمَعَ مَنْ؟ فَقَالَ: «مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، مَعَهُ يُقْتَلُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرِ»، وروى أبو مِجْلَز قال: جاء رجل من مراد إلى عليّ، وهو يصلّي في المسجد فقال: إحْتَرِسْ فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك، فقال: إنّ مع كلّ رجل مَلَكَين يحفظانه ممّا لم يُقَدّرْ، فإذا جاء القَدَر خلّيَا بينه وبينه.
ويروى في قصة إستشهاده رضي الله عنه أنه اُنتدب ثلاثةُ َنفَر من الخوارج: عبد الرّحمن بن مُلْجم المراديّ، والبُرَك بن عبد الله التميميّ، وعمرو بن بُكَير التميميّ، فإجتمعوا بمكّة وتَعاهدوا وتَعَاقدوا لَيَقْتُلُنّ هؤلاء الثلاثةَ: عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعَمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم، فقال عبد الرّحمن بن مُلجم: أنا لكم بعَليّ بن أبي طالب، وقال البُرَكُ: وأنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بُكيَر: أنا أكْفِيكُمْ عمرو بن العاص، فتَعاهدوا على ذلك وتَعاقدوا وتَواَثقوا لا َينْكُصُ رجلٌ منهم عن صاحبه الذي سَمَّي ويتوجّه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، فإتّعدوا بينهم ليلة سبعَ عشرةَ من شهر رمضان، ثمّ توجّه كلّ رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقَدِمَ عبدُ الرّحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتَمَهُم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزارَ يومًا نفرًا من تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها: قَطامِ بنت شِجْنة بن عدي، من تيم الرباب، وكان عَليّ قَتَلَ أباها وأخاها يومَ نهروان فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوّجُك حتّى تُسْني لي المهرَ، فقال: لا تَسْألينَني شَيْئًا إلاّ أعطيتُكِ، فقالت: ثلاثة آلاف وقتلَ عليّ بن أبي طالب، فقال: والله ما جاءَ بي إلى هذا المصر إلاّ قتلُ عليّ بن أبي طالب وقد آتيتُكِ ما سألْتِ، ولقي عبدُ الرّحمن بن مُلجم شبيبَ بن بَجَرَة الأشجعي، فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وبات عبد الرّحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليًّا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكنديَّ في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضَحَك الصّبحُ فقُمْ، فقام عبد الرّحمن بن ملجم، وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثمّ جاءا حتى جلسا مقابل السّدّة التي يخرج منها عليّ، قال الحسن بن عليّ: وأتيته سَحَرًا فجلست إليه فقال: إني بِتّ اللّيلةَ أوقظ أهلي فَمَلَكَتني عيناي وأنا جالس فسنَحَ لي رسول الله فقلت: يا رسول الله ما لقيتُ من أُمّتِكَ من الأوَد واللَّدَد، فقال لي:«ادْعُ اللَّه عليهم»، فقلت اللّهمّ أبْدِلْني بهم خيًرا لي منهم، وأبدلهم شرًّا لهم مني، ودخل ابن النّبّاح المؤذّنُ على ذلك فقال: الصّلاة، فأخذت بيده فقام يمشي وابن النّبّاح بين يديه وأنا خلفه، فلمّا خرج من الباب نادى: أيّها النّاسُ الصّلاةَ الصّلاةَ، كذلك كان يفعل في كلّ يوم يخرج ومعه درّتُهُ يوقِظُ النّاسَ، فإعترضه الرّجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعتُ قائلًا يقول: لله الحُكْمُ يا عليّ لا َلكَ! ثمّ رأيتُ سيفًا ثانيًا فضربا جميعًا، فأمّا سيف عبد الرّحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قَرْنه، ووصل إلى دماغه، وأمّا سيف شبيب فوقع في الطّاق، وسمعتُ عليًّا يقول: لا يفوتنّكم الرجلُ، وشدّ الناّسُ عليهما من كلّ جانب، فأمّا شبيب فأفلت، وأُخِذَ عبدُ الرّحمن بن ملجم فأُدخل على عليّ، فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعِشْ فأنا وَلِيُّ دَمِي، عفوٌ أوقصاص، وإنْ أمُتْ فألْحِقُوه بي أُخاصمه عند ربّ العالمين، فقالت أمّ كلثوم بنت عليّ: يا عدوّ الله قتلت أمير المؤمنين! قال: ما قتلتُ إلّا أباكِ، قالت: فوالله إنّي لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأسٌ، قال: فلِمَ تَبكينَ إذًا؟ ثمّ قال: والله لقد سممتُه شهرًا، يعني: سيفَه، فإنْ أخْلَفَني فأبْعَدَهُ الله وأسحقه.
وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضُربَ عليّ رضي الله عنه فقال: أيْ بُنيّ انظر كيف أصبح أمير المؤمنين، فذهب فنظر إليه ثمّ رجع فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عَيْنَيْ دَميغ وربّ الكعْبة، وكانت أُم كلثوم -زوجة علي وابنة عمر بن الخطاب- تبكي من وراء الحجاب، فقال لها علي: إسكتي فلو ترين ما أَرى لما بكيت، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ، مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: هَذِهِ الْمَلَائِكَةُ وُفُودٌ، وَالنَّبِيُّونَ، وَهَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَا عَلِيُّ، أَبْشِرْ، فَمَا تَصِيْرُ إِلَيْهِ خَيْرٌ مِمَّا أَنْتَ فِيْهِ.
ومكث عليٌّ يومَ الجمعة وليلة السبت وتُوفي رحمة الله عليه، ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وكُفِّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وأُودع عبد الرّحمن بن ملجم في السجن، فلمّا مات عليّ رضوان الله عليه، ودُفِنَ، بعث الحسن بن عليّ إلى عبد الرّحمن بن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله، وروى عثمان بن المغيرة قال: لما دخل شهر رمضان جعل عليٌ يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد اللّه بن جعفر، لا يزيد على ثلاث لقم، ويقول: يأْتي أَمر الله وأَنا خمِيص، وإنما هي ليلة أَو ليلتان.
وقد كانت الخوارج قد خرجوا على عليٍّ وكفّروه، وكل من كان معه، إذ رضي بالتحكيم بينه وبين أهل الشّامِ، وقالوا له: حكَّمت الرّجال في دين الله، واللَّهُ تعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه} [الأنعام:57]، ثم إجتمعوا، وشقُّوا عصا المسلمين، ونصبوا رايةَ الخلاف، وسفكوا الدِّماء، وقطعوا السُّبل، فخرج إليهم بمن معه، ورام مراجعتهم، فأبَوْا إلا القتال، فقاتلهم بالنهْرَوان، فقتلهم، وإستَأْصَل جمهورهم، ولم ينج إلا اليسير منهم، فإنتدب له من بقاياهم عبد الرّحمن بن مُلْجَم -عليه من الله ما يستحق.
المصدر: موقع صحابة رسول الله.